إن جوهر العملية التعليمية هو نقل الخبرات والمعارف من المعلّم إلى طلابه، ولا يمكننا النظر لهذه العملية بمعزل عما يشهده عالمنا من مستجدات تقنية ومعرفية، كما أنّ السعي للتحوّل الرقمي في التعليم يضمن للمعلمين والطلاب الانتقال بسلاسة نحو بيئة تعليم حداثية تستفيد بما تتيحه هذه المستجدات من مزايا ومنافع.
ما هو التحول الرقمي في التعليم؟
التحول الرقمي في التعليم مصطلح حديث نسبيًا، وهو يشير إلى عملية استخدام التقنيات الحديثة وإدراج الحلول التكنولوجية لتحسين بيئة التعليم التقليدية. وقد بدأت مسيرة التحول الرقمي مع دخول الحواسيب إلى المدارس في تسعينيات القرن الماضي، وشملت استخدام الوسائط المتعددة لإنتاج محتوى بصري جذاب وتطبيقات تفاعلية للتدرب على بعض المهارات والمعارف، وبلغت ذروتها مع تطوير تقنيات التعلم عن بُعد وتوظيف تقنيات الواقع الافتراضي (Virtual Reality) والواقع المعزز (Augmented Reality) والتلعيب (Gamification) وغيرها من التقنيات الثورية التي تجعل تجربة التعلم اليوم رقمية بالكامل وتفاعلية أكثر من أي وقت مضى.
وبشكل عام، لا يخفى على أحد أن التحول الرقمي نما بوتيرة بطيئة خلال العقود الثلاثة الماضية، ثم شهد العالم تسارعًا ملحوظًا واهتمامًا متزايدًا في ظل تبعات جائحة كورونا منذ عام ٢٠٢٠. حيث يغطي التحول الرقمي اليوم عدة مجالات في العملية التعليمية، مثل الأنظمة المصممة للمساعدة في إدارة ومتابعة وتقييم التدريب والتعليم؛ والمنصات الرقمية التعليمية التي تقدم تجربة محتوى تعليمي تفاعلي عن بُعد مثل يوديمي وكورسيرا، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تساعد على الربط بين المعلمين والطلاب بشكل شخصي كما يمكن توظيفها أيضًا لتبادل الملفات والمعلومات وتعزيز التواصل في التجربة التعليمية؛ وكذلك التطبيقات التعليمية، التي تقدم لمستخدميها تجربة تعلّم تفاعلية لنقل المعارف المتخصصة، ومن أشهرها تطبيقات تعليم اللغة مثل ديولينغو.
وفي خضم هذا التغيير، تلعب السعودية دورًا رياديًا في التحول الرقمي في المضمار التعليمي منذ عدة سنوات، إلى أن اعتمدت منظومة التعليم الموحدة والمدرسة الافتراضية خلال فترة الوباء. جمعت هذه المنظومة سبعة آلاف مدرسة في منصة رقمية موحدة، استفاد منها حوالي ٥ ملايين طالب وطالبة، شاركوا في نحو ٣٥ مليون جلسة تعليمية.
ما هي أهمية التحول الرقمي في الفصل الدراسي؟
تكمن أهمية التحوّل الرقمي في استفادته كنظامٍ من ميّزات الطريقة التقليدية في التعليم وإضافة أبعادٍ جديدة عليها باستخدام الحلول التقنية الحديثة لتحسين التجربة التعليمية وتعزيز نتائجها ومخرجاتها.
- حيث يرفع التحول الرقمي من إنتاجية الطلاب والمعلمين على حد سواء.
- يضفي على تجربتهم التعليمية درجة أعلى من المرونة والحرية، فهو لا يربط التحصيل العلمي بمكان محدد.
- يسمح للطالب بالوصول إلى المعلومة بأكثر من طريقة.
- يضمن وصول المعلومات إلى أكبر عدد ممكن من الطلاب بالطريقة أو المعدّل الذي يناسب قدراتهم التحصيلية الفردية.
يؤدي كل ذلك إلى صقل مهارات الطلاب على مدار سنوات الدراسة، فالتعليم الرقمي يمنحهم فرصة تعلم مهارات متعددة وأساسية، منها مهارات البحث عبر الإنترنت ومهارات التصميم وإعداد التقارير، والتعامل مع الصيغ المختلفة للملفات وفهم جداول البيانات والتعامل معها. كل ذلك ييسر على الطلاب استيفاء متطلبات سوق العمل التي لم تعد تكتفي بالمؤهل أو الشهادة الدراسية. وتؤكد على ذلك نتائج دراسة الآمال والتخوفات التي أجرتها مؤسسة PWC عام ٢٠٢٢، حيث أفاد ٥٧% من المستجيبين في السعودية بأنهم على ثقةٍ بأن أطفالهم سيتمتّعون بمستقبل مزدهر بفضل ما تتيحه لهم الحلول التكنولوجية من فرص غير محدودة.
أدوات التحول الرقمي تمّكن المعلمين من خلق فصل تشاركي تفاعلي.
تتفق الإحصائيات في أن المواد التعليمية المرئية التفاعلية قادرة على إيصال المعلومات بكفاءة أعلى ووضوح أكبر للمتعلمين. حيث يفيد نحو ٦٥% من الطلاب حول العالم بأنهم يفضلون الوسائل المرئية في تحصيل المعارف والمهارات. وتؤكد مثل هذه الأرقام على أن العمل على تحويل الفصول التقليدية إلى فصول رقمية ودمج الحلول التكنولوجية الحديثة في الفصل يضمن إضفاء مزيد من السرعة والسهولة والمتعة على التجربة التعليمية للطلاب.
ينطوي التعلم الرقمي على ثلاثة محاور يشترك فيها مع الشكل التقليدي للتعليم، وهي كيفية إدارة الصف، وإنتاج المحتوى الدراسي، والتواصل والتقييم. ففي التعليم الرقمي توجد أدوات عديدة لتحقيق هذه الأغراض، من أهمها: تطبيق Class Dojo، الذي يقدم حلولًا لإدارة الصف باحترافية، كما يتيح لأولياء الأمور متابعة مستوى أبنائهم من خلاله. وتطبيق Emaze المخصص لإنتاج المحتوى التعليمي وتصميم العروض التقديمية التفاعلية للدروس التعليمية بفعالية ويُسر. وفي مجال التقييم يمكن للمعلمين استخدام Google Forms لتصميم التقويمات والاختبارات بشكل مبسط وواضح. ولدمج كل ذلك في مساحة واحدة يمكن للمعلمين إنشاء فصل افتراضي على تطبيق Easy Class لمشاركة المادة التعليمية والواجبات والاختبارات مع الطلاب.
ثمّة سُبل عديدة للمعلمين لبناء معرفتهم وخبراتهم التقنية في استخدام وتوظيف هذه الأدوات، بداية من استكشافها بشكل مستقل، أو التعرف على تجارب المعلمين حول العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي أو غيرها، كما يمكنهم الالتحاق بدورات متخصصة في بناء القدرات التقنية وإدارة الوسائل التعليمية الرقمية، من أبرزها منصة أعناب الرائدة في مجال التدريب الرقمي للمعلمين، والتي تقدم دورات متنوعة تتناول على سبيل المثال مواضيع التعلم عن بعد للمعلمين، وأهم التطبيقات لفصل تفاعلي، وأدوات تقويم الحصة الافتراضية، وأدوات المعلم الرقمية، وجميع هذه الدورات مصممة بعناية لتلبية احتياجات المعلمين لمواكبة التحول الرقمي وتعزيز ثقتهم لتحقيق أفضل أداء ممكن وتقديم تجربة تعليمية مثلى لطلابهم.
_____________________
المصادر:
[١] آمال وتخوفات القوى العاملة في الشرق الأوسط، دراسة استقصائية، مؤسسة PwC ، ٢٠٢٢. الرابط هنا
[٢] التحول الرقمي في منظومة التعليم السعودي: ٢٠٢٠ وما بعدها. أحلام الغامدي، كلية التعليم المبكر، جامعة الطائف. ورقة بحثية. ذا إيديوكيشنال ريفيو [The Educational Review]، ٢٠٢٢، ٦(٨)، صـ٤١٩-٤٢٥. الرابط هنا