لا تعني بيئة التعلم المحيط المادي داخل الفصل الدراسي، بل تشمل أيضا المحيط النفسي الذي يشعر فيه الطلاب بالأمان والراحة بما يُمكّنهم من التركيز على تلقي العلم، هنا يلعب الاحترام دورا حيويا في توفير هذا المحيط النفسي الإيجابي، إذ يعزز من فعالية دور المعلم داخل الفصل الدراسي من ناحية، ويُشجّع الطلاب على المشاركة النشطة في الأنشطة الدراسية وغير الدراسية من ناحية أخرى.
انطلاقا من أهمية دور الاحترام داخل الفصل الدراسي، نناقش في هذا المقال ملامح الفصل الدراسي الذي يسوده الاحترام، وكيف يُمكن للمعلم بناء الاحترام داخل الفصل باتباع نصائح بسيطة وفعالة.
جدول المحتويات:
ما الذي يعنيه الاحترام في الفصل الدراسي؟
أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك كما في الوصية النبوية الشريفة، تشكل هذه الوصية جوهر مفهوم الاحترام في الفصل الدراسي كما يؤكد الخبراء، إذ يعني الاحترام أن يعامل الطالب زملاءه كما يُحب أن يعاملوه، وتتمثل أساسياته داخل الفصل في 5 سلوكيات مهمة، هي ما يلي:
الإنصات باهتمام لحديث المعلم والطلاب الآخرين
إذا بدأ المعلم درسه أو أجاب أحد الطلاب سؤالا أو ناقش فكرة، أو زار الفصل أحد المسؤولين أو الضيوف، فإن السلوك المناسب من الطلاب هو التوقف عن الثرثرة أو الحركة أو الصراخ أو أي تصرفات مشتتة من شأنها أن تنغص الأجواء الآمنة والمثالية للتعلم والفهم.
الالتزام بالقواعد
يعكس التزام الطلاب بالقواعد المتفق عليها في الفصل الدراسي الاحترام والتقدير للمعلم ولكل من في الفصل، ويجعل من السهل إرساء السلوكيات والعادات السليمة التي تفيد الطلاب في رحلتهم التعليمية.
لا يعني الالتزام بالقواعد التقيد الصارم بها طوال الوقت، فكل طالب تقريبا يعاني في بعض الأوقات من عدم الالتزام بها، إلا أنه يعني عدم خرقها بشكل مستمر، وهو ما يفرض على المعلم التدخل وإرساء الفهم الصحيح لمعنى اتباع القواعد.
المعاملة الطيبة والاهتمام بالغير
تضفي المعاملة الطيبة والاهتمام شعورا بالأمن لدى كل الطلاب داخل الفصل الدراسي، وتعني أن يتعامل الطلاب مع بعضهم البعض ومع المدرسين بذوق وتعاطف، وهو أحوج ما تحتاجه فصول المرحلتين المتوسطة والثانوية على وجه الخصوص.
الصبر والقدرة ضبط النفس
يتداول الطلاب الأدوار أثناء مناقشة الدرس والإجابة عن أسئلة المعلم والمشاركة في الأنشطة الصفية فضلا عن اللعب، وتحتاج هذه المواقف إلى تحلي الطالب بالصبر والقدرة على ضبط النفس لكي لا يتحدث دون رفع يديه أو لا يتعجل دوره قبل الآخرين، وبالتالي يسود الفصل الدراسي جو من الاحترام عندما يسيطر كل طالب على روح المشاغبة والإزعاج التي تدفعه إلى تعجل ما ينبغي انتظاره.
الصدق
الصدق هو ركن أساسي في أي علاقة مبنية على الاحترام، لذلك فإن التزام الطلبة بصدق الحديث والإنصاف حتى مع السلوكيات الخطأ التي تقع منهم، هو أمر أساسي في تكوين الاحترام داخل الفصل الدراسي، ويبني أواصر الثقة بين المعلم والطالب ويعزز من العلاقة الطيبة بين الجميع.
كيف تبني الاحترام في داخل فصلك؟
السلوك المتكرر والمؤثر الذي يلاحظه الطالب لدى المعلم هو أكثر ما يقلده ويستوعبه، لذلك احرص على تطبيق هذه النصائح الثمانية البسيطة سهلة التنفيذ لإضفاء جو من الاحترام والأمان داخل فصلك الدراسي:
1. كن نموذجا وقدوة
يمثل المعلم دليلا للطالب من خلال سلوكه، لذلك إذا كنت تنتظر منهم أن يتعاملوا باحترام داخل الصف، فعليك أن تتصرف كقدوة وتبادر باحترامهم وتظهر اهتماما حقيقيا وتقديرا لهم، فمثلا أخبر جميع الطلاب أنك تحترمهم وتهتم بهم، واحرص على قول "من فضلك" و"جزاك الله خيرا"، كذلك ابدأ الحديث مع طالب لا تعرفه جيدا، وأظهر سلوكا طيبا بشكل عشوائي، واعرض المساعدة إذا وجدت طالبا عالقا في شئ ما، كما ينبغي أن تنتظر دورك في الحديث والاستماع جيدا لما يقوله الطالب، ولكي تساعد نفسك على التصرف باحترام حتى في وقت التعب والإرهاق، تدرب على التفكير قبل التحدث واختيار الكلمات بعناية.
2. اشرح معنى الاحترام وحدد توقعاتك للطلاب
لا تفترض فهم الطلاب للاحترام كما تريده أنت، وبدلا من ذلك، أخبرهم بوضوح عن معنى الاحترام داخل الفصل الدراسي، لتتجنب سوء الفهم المحتمل الذي يؤدي إلى حدوث فوضى وإعاقة عملية التعلم.
فبدلا من أن تقول للطالب "كن محترما"، صف له بالأمثلة المفصلة ما الذي ينبغي أن يفعله، استخدم لغة مناسبة لعمره، ودربه على استخدام العبارات المهذبة مثل "نعم يا معلم"، "من فضلك"، "شكرا"، واشرح للطلاب أن الاحترام ركن أساسي في أي علاقة ولا ينبغي التفريط فيه حتى من قبل الكبار أنفسهم.
استخدم القصص لتناول التصرفات والسلوكيات المحترمة وغير المحترمة في مواقف مختلفة بدلا من الاكتفاء بحفظ القواعد عن ظهر قلب، إذ تعمق القصص من فهم الطلاب لمعنى الاحترام في سيناريوهات متعددة، وكيف أن سلوكًا ما قد يكون محترما في موقف ولكنه غير محترم في موقف آخر.
يمكنك أيضا عرض إرشاداتك بطريقة بصرية جذابة في شكل ملصقات تشرح السلوكيات المرغوبة مثل رفع اليد قبل التحدث والاستئذان قبل القيام بفعل ما، والإنصات للآخرين عند الحديث، كما أن ألعاب تبادل الأدوار تساعد في تدريب الطلاب على الصبر وإظهار الاحترام للآخرين، لذلك ادمجها في أنشطة إدارة الصف الدراسي سواء أثناء الاستراحة أو في الوقت الحر.
3. شجع السلوكيات المحترمة
اثنِ على الطالب عندما تلاحظ لطفه وأخلاقه الحميدة واحترامه وتعاطفه في الفصل الدراسي، فمثلا مشاركة الألعاب والتناوب في الأدوار، ومساعدة الزملاء في أداء الواجبات المدرسية، جميعها سلوكيات طيبة تستحق الثناء، وتبني الإشادة ثقة الطالب بنفسه من ناحية، ومن ناحية أخرى تشجع الطلاب الآخرين على التعلم منه وتقليده.
أما عندما يخطئ أحد الطلاب في حق الغير وينتقص من احترامه، ناقشه في خطأه على انفراد، تفاديا لإحراجه أو إهانتنه أمام زملائه، وقدم له التوجيه المناسب لتحسين سلوكه في المرة القادمة.
4. ادمج جميع الطلاب بالاحتواء
يأتي الطلاب بجميع الألوان والملامح والسمات الجسدية المتفاوتة ولا ينبغي أن يشعر أيٌّ منهم بالجفاء في فصله الدراسي، لذلك قدم نموذجا للطلاب في دمج واحتواء الكل ومنح كل طالب التقدير والاهتمام الكاف، فمثلا إذا لاحظت طفلا عابسا ويجلس وحيدا أو لا يملك أصدقاء في الفصل، اسأله عن حاله وعما إذا كان يحتاج إلى صحبة أو مساعدة ما.
5. درّب الطلاب على احترام اختلافاتهم
يقع على عاتق المعلم مسؤولية تعليم الطلاب تقدير اختلافات بعضهم البعض لإضفاء جو من الاحترام والرعاية والترابط، افتح نقاشًا حول هذا الموضوع بحيث يتناول تفرد كل طالب عن الآخر، تحدث خلاله براحة عن التنوع في بيئة الفصل الدراسي وأهمية أن يحترم الكل هذا التنوع، اكسر الجمود بين الطلاب خلال هذا النقاش وخصص وقتا ليتعرف بعضهم على بعض بفضول وانفتاح، اطلب من الطلاب أن يذكروا أحد نقاط القوة التي يرونها في زميلهم.
6. حل النزاعات بهدوء
تتحول أجواء الفصل الدراسي إلى أجواء مشحونة عندما يدخل طالبان في نزاع أو نقاش حاد، وهنا يأتي دور المعلم في حل النزاع بهدوء حتى تصل الأمور بينهما إلى تهدئة ويشعر باقي الطلاب بالطمأنينة ويسود الاحترام الأجواء مرة أخرى، ناقش كل طالب في مشاعره واطلب منهما اقتراحات بالحل، ثم قدم الحل الأفضل للموقف.
7. معالجة التنمر
التنمر هو أحد أهم بواعث تهديد الاحترام ومن أخطر التحديات التي يواجهها المعلم داخل الفصل، لذلك ينبغي مراقبة التنمر والسخرية من الآخرين بجدية وإيقاف المتنمر عند حده، يحتاج علاج التنمر إلى مساعدة كل من الطفلين المتنمر والمتنمر عليه، فقد يكون كلا منهما يعيش أجواء نفسية وأسرية مضطربة تجعلهما في حاجة إلى التوجيه والإرشاد من معلم الفصل.
8. أشرك الآخرين في المسؤولية
أشرك الطلاب في تحمل مسؤولية إرساء الاحترام في الفصل الدراسي، اسألهم عن السلوكيات التي يرغبون في رؤيتها في فصلهم واطلب منهم اقتراحات لعلاج المشكلات المتعلقة بهذا الموضوع، من شأن هذه التجربة أن تغير منظور الطلاب للقواعد والسلوكيات المحترمة فبدلا من أن يكونوا في موقع المتلقي، يصبحون في موقع القيادة والتوجيه.
بالإضافة إلى ما سبق، يلعب الآباء والأمهات دورا مهما في إرساء الاحترام داخل الفصل أيضا، إذ لا يملك المعلمون سلطانا على الطلبة بمجرد خروجهم من المدرسة، كما أن الوالدين يغيب عنهم طبيعة تصرفات الأطفال في المدرسة، لذلك من المهم أن تتعاون مع الوالدين من أجل تعزيز السلوكيات المحترمة في داخل الفصل والمنزل على حد سواء، ما يرسخ بنية هذه السلوكيات في نفس الطالب.
أخيرا، الاحترام هو جزء لا يتجزأ من العلاقات الإنسانية والاجتماعية الصحية، ومن أبرز طرق بنائه في الفصل، القيادة بالقدوة ووضع إرشادات واضحة وتشجيع السلوكيات الجيدة.
.png){kind=logo}
