كثيرًا ما تؤدي طرق التدريس التقليدية إلى اضطرار الطلاب إلى الاعتماد على الحفظ، مما يحد من قدراتهم على ممارسة التفكير النقدي والإبداعي، ويضعف من قدراتهم المعرفية، حيث يكون تركيزهم مُنصبًّا في المقام الأول على تحقيق نتائج جيدة بدلًا من التعلم.
بالطبع فإن أوجه القصور في طرق التعليم التقليدية ليست خافية على أحد، ولا يمكن إنكار اعتمادها تقنيات الحفظ للتعلم، وعدم توفر دعم كافٍ للمهارات المهمة لدى الطلاب. ومن هنا، تتجه العديد من المؤسسات التعليمية نحو اعتماد طرق جديدة للتدريس من شأنها أن تؤدي إلى التنمية الشاملة للطلاب وجعلهم مستعدين للمستقبل. ومن بين تلك الطرق يبرز نهج التعلم التعاوني كأحد المناهج التي يُعوّل عليها كثيرًا في تطوير العملية التعليمية. ولكن ما هو التعلم التعاوني؟ وكيف يعمل؟ هيا بنا نكتشف سويًا.
ما هو التعلم التعاوني
التعلم التعاوني هو أحد طرق التدريس التي ترتكز على المتعلم، وهو نهج تعليمي يقوم على العمل الجماعي، حيث تعمل مجموعات مكونة من متعلمَيْن أو أكثر معًا لحل المشكلات أو إكمال المهام أو تعلم مفاهيم جديدة. يعمل هذا النهج على إشراك المتعلمين بشكل فعال في معالجة المعلومات والمفاهيم والربط بينها، بدلاً من استخدام الحفظ والاستظهار للحقائق والمعلومات. في نهج التعلم التعاوني يعمل المتعلمون مع بعضهم البعض في المشاريع، حيث يجب عليهم التعاون كمجموعة لاستيعاب المفاهيم المقدمة لهم.
يزدهر التعلم التعاوني في بيئة اجتماعية، حيث يمكن للمتعلمين التحدث مع بعضهم البعض.
السمات الرئيسية للتعلم التعاوني
يمكننا ملاحظة السمات الرئيسية للتعلم التعاوني كأحد طرق التدريس الحديثة من خلال عدد من المحاور نستعرضها فيما يلي:
1- من حيث الغرض من النشاط:
يساعد التعلم التعاوني على تحقيق الغرض من النشاط من خلال توزيع الجهد المبذول على جميع أعضاء الفريق.
2- من حيث أهداف التعلم الفردية:
يساعد التعلم التعاوني الطلاب على قبول التحديات الجديدة والعمل على أجزاء مختلفة من المشاريع بمساعدة الطلاب الآخرين.
3- من حيث تعزيز الصداقات والعمل الجماعي:
يساعد التعلم التعاوني الطلاب على تكوين صداقات مع أقرانهم الذين لديهم نفس الاهتمامات، ويدعم بناء سلسلة من الشبكات الاجتماعية بين الطلاب.
4- من حيث بناء علاقات جديدة:
يساعد التعلم التعاوني الطلاب على مقابلة طلاب جدد والتعرف على ثقافاتهم والعمل معهم.
5- من حيث تنوع المهارات:
يعتمد التعلم التعاوني على توزيع مسؤوليات العمل على أعضاء الفريق وفقًا لمهاراتهم وخبراتهم واهتماماتهم.
أنواع التعلم التعاوني
1- التفكير التشاركي
هذا النوع من التعلم التعاوني هو الأكثر شيوعًا، حيث يعمل فيه الطلاب بشكل مستقل في البداية، ثم بعد ذلك ينخرطون في المناقشات ويقومون بتبادل المعلومات والأفكار فيما بينهم.
2- مجموعات التعلم التعاوني المؤقتة
في هذا النوع يتم تقسيم الفصل إلى مجموعات، ويكلَّفون بمشروع للتعامل معه خلال الدرس، ويؤدي هذا إلى استثمار أفضل لوقت الدرس، وتعزيز الحصيلة العلمية التي يحتفظ بها الطلاب.
3- مجموعات التعلم التعاوني الممتدة
في هذا النوع من التعلم التعاوني يُطلب من أعضاء المجموعة البقاء معًا لأسابيع أو لأشهر للعمل على المشاريع التي تم تكليفهم بها، بحيث يدرس الطلاب معًا ويطبقون طرقًا مختلفة للعمل الجماعي التعاوني.
4- التعلم القائم على المشكلات
في هذا النوع، يتم إعطاء مسألة للمتعلمين في مجموعات لتقييمها وحلها، بحيث يُطلب من الطلاب محاولة فهم المشكلة قبل البدء في اقتراح الحلول.
5- مجموعات القاعدة التعاونية
في هذا النوع من التعلم التعاوني يتم تشكيل مجموعة تَعَلُّم تستمر لمدة عام على الأقل، بحيث يتم تكوين فرق عمل من أعضائها لهم عقليات مختلفة ويحملون وجهات نظر مختلفة يساهمون بأفكارهم في مشروع ما.
اقرأ أيضا: 10 أنواع من طرق التدريس المبتكرة
أهمية تعزيز التعلم التعاوني بين الطلاب
يساعد مفهوم التعلم التعاوني الطلاب على المشاركة بنشاط في معالجة المعلومات الجديدة من خلال بذل جهود جماعية بدلاً من الاستفادة من تقنيات الحفظ للدراسة، ومن ثم يمكن للطلاب تدعيم مهاراتهم المميزة وإعادة صياغة أفكار جديدة، بالإضافة إلى فهم وجهات نظر الآخرين، واكتساب وعي أشمل بالموضوعات بدلاً من العمل كأفراد. يتيح التعلم التعاوني كذلك تطوير مهارات التواصل والمهارات الاجتماعية بين الطلاب، بشكل أكثر تحديدًا فإن أهمية التعلم التعاوني تتجلى في النقاط التالية:
- التعلم التعاوني يتيح للطلاب تعلم وتطوير عادات جيدة واكتساب المعرفة من أقرانهم.
- في التعلم التعاوني يُطلب من الطلاب توزيع المسؤوليات والعمل معًا والثقة ببعضهم البعض.
- في التعلم التعاوني يكون الطلاب أكثر ارتياحًا لمشاركة أفكارهم ومناقشة الاستراتيجيات والتعبير عن أنفسهم من خلال المجموعة.
- التعلم التعاوني يساعد الطلاب على بناء شبكة من العلاقات والأشخاص في مجالات مختلفة.
- التعلم التعاوني يساعد الطلاب على اكتساب الثقة وتطوير المهارات التي تساعدهم في بناء مستقبل أفضل.
دور المعلم في التعلم التعاوني
بكل تأكيد لا يمكن إغفال دور المعلم في نهج التعلم التعاوني، شأنه في ذلك شأن طرق التدريس الأخرى التي ترتكز على المتعلم، حيث يكون من مهامه:
-
تشكيل مجموعات من الطلاب ومساعدتهم في التفاعل مع بيئة التعلم والأنشطة التعليمية.
-
إعطاء الطلاب الفرصة لتجربة تعلم أفضل من خلال الأنشطة والمهام التي تعزز التعلم التعاوني.
-
هيكلة المجموعات بطريقة تتضمن التنوع بين طلاب يتمتعون بمهارات وقدرات متباينة.
-
تقديم الموارد ومواد الدراسة التي تساعد الطلاب في إنجاز المهام الموكلة إليهم.
- إجراء التقييم اللازم لمجموعات الطلاب ومدى إنجازهم للمهام.
فوائد التعلم التعاوني
تتنوع فوائد التعلم التعاوني على مستويين أساسيين المستوى الأول هو المستوى التنظيمي بالنسبة للمؤسسات التعليمية والآخر هو مستوى الفوائد الفردية للمتعلمين وسنستعرضها بالتفصيل فيما يلي:
أولاً: الفوائد التنظيمية للتعلم التعاوني
- تطوير مهارات الإدارة الذاتية والقيادة
عندما يتم تكليف الطلاب بالعمل معًا لتحقيق هدف مشترك، يتم منحهم الفرصة لتطوير مهارات التنظيم والقيادة والإدارة الذاتية، فهم يتعلمون كيفية إدارة أنفسهم وإدارة الآخرين بطريقة منتجة.
- زيادة مهارات ومعرفة المعلمين
عندما يشارك المعلمون في طريقة التعلم التعاوني فإنهم يطورون مجموعة واسعة من المهارات والمعرفة، وهذا يقلل من الحاجة إلى التدريب الرسمي للمعلمين، ويساعد في تشجيعهم على رفع مستوى مهاراتهم باستمرار.
- يحسن التواصل بين الفرق والمعلمين
التعلم التعاوني من خلال فرق العمل يمثل تحديًا للمتعلمين وكذلك المعلمين لتطوير وسائل جديدة للتواصل وإيجاد طرق للعمل معًا من خلال خلق أنشطة تسمح للمعلمين باستنباط وسائل جديدة لتطوير عملية التعلم ذاتها.
لا شك أن المعلمين الذين تُتاح لهم الفرصة لتعلم مهارات جديدة يميلون غالبًا إلى الشعور بمزيد من الرضا في عملهم، ما يجعلهم أكثر إنتاجية وأكثر كفاءة.
ثانيًا: الفوائد الفردية للتعلم التعاوني
- تحويل التعلم إلى عملية نشطة
في التعلم التعاوني يجب على المتعلم تنظيم أفكاره، وتقديم براهين قوية لإثبات وجهة نظره، والدفاع عن هذه النقطة لأقرانه، وإقناع الآخرين بأن حجته صحيحة، وهذه هي المشاركة النشطة التي تعزز عملية التعلم.
- تحسين اكتساب المعرفة والاحتفاظ بها
يؤدي استخدام التعلم التعاوني إلى زيادة المشاركة والاحتفاظ بالمعرفة بشكل أفضل، حيث تتيح عملية التعلم التعاوني للمشاركين تحقيق مستويات أعلى من التفكير، وتساهم في الاحتفاظ بالمعلومات لفترة أطول بكثير مما لو تعلموها في بيئة غير تعاونية.
- تعزيز التعلم من خلال وجهات نظر الآخرين
يستفيد المتعلمون من سماع وجهات نظر متنوعة، حيث أنه عندما تفاعل الشخص مع وجهات نظر متنوعة، وخاصة من أشخاص من خلفيات متنوعة، من شأنه أن يعزز عملية التعلم لديه.
من أهم فوائد التعلم التعاوني بالنسبة للطلاب، أنهم يتعلمون من خلاله كيفية التفكير النقدي، مع استيعاب المعلومات الجديدة وتعديل وجهة نظرهم الخاصة مع طرح أفكار جديدة.
- تعزيز القدرة على تقبل النقد والنصيحة
عندما يستمع المتعلم إلى الآخرين وهم يتحدثون عن أفكارهم ويعرضونها، سواء كانت تتوافق أو تتعارض مع أفكاره الخاصة، فإن هذا الأسلوب الديناميكي يجعل المتعلمين يكتسبون فهمًا أكثر اكتمالاً للموضوع، حيث يتعين عليهم النظر إلى الموضوعات من جميع الزوايا.
- تطوير مهارات التحدث أمام الجمهور والاستماع النشط
في التعلم التعاوني يتعلم الأفراد التحدث بشكل جيد أمام جمهور من أقرانهم، والاستماع بنشاط، وبناء إطار جديد من الأفكار بالاشتراك مع الآخرين.
عند تحديد هدف محدد، يصبح المتعلمون أكثر ميلاً إلى المشاركة في مناقشات مدروسة مع بعضهم البعض، مما يحسن فهمهم للموضوع وتقديرهم لبعضهم البعض، وهذا يعمل على تحسين مستوى التعاون بينهم.
استراتيجيات التعلم التعاوني
1- توضيح مسؤوليات المجموعة
قبل البدء في مهمة العمل، من الأفضل تحديد أهداف كل فرد في المجموعة، مما سيساعدهم لاحقًا على تحمل مسؤولياتهم عن الجزئيات المخصصة لهم من المهمة.
2- تشجيع المناقشات المفتوحة
تساعد المناقشات المفتوحة على دعم الثقة بين أعضاء المجموعة، والتي تعزز بدورها استيعاب المفاهيم بشكل أفضل والتعلم بشكل أكثر شمولاً.
3- تقييم الطلاب قبل وبعد المهمة
لفهم نتائج التعلم التعاوني، يجب على المعلمين تقييم الطلاب قبل وبعد جلسات التعلم الجماعي.
4- تقييم عملية التعلم
من المعروف أن الطلاب ينمون ويتعلمون أثناء عملية التعلم التعاوني من خلال المناقشات والجدل. وبالتالي فمن المهم تقييمهم لدعم مناقشات عالية الجودة.
5- استخدام استراتيجيات مشاركة المعرفة
يعنى ذلك مشاركة المعرفة والمعلومات التي تم الحصول عليها في النقاشات المفتوحة مع فرق أخرى، وهذا يسمح للطالب بأن يحصل على فهم شامل للموضوع، بالإضافة إلى تعزيز قدرته على مساعدة الآخرين.
6- السماح بأنشطة جماعية تقلل القلق
يمكن أن يساعد السماح ببعض الأنشطة الفكاهية والترفيهية خلال عملية التعلم التعاوني في تقليل التوتر والقلق بين الطلاب، ويساعد في خلق بيئة أكثر حميميةً بين المتعلمين.
7- استخدام مشاكل من الواقع
بدلاً من خلق سيناريوهات وقضايا مصطنعة، يمكن للطلاب استخدام أمثلة من الحياة الواقعية ومحاولة إيجاد الحلول لها، وهذا من شأنه أن يُحسّن التعلم القائم على المشاريع بين الطلاب.
8- التركيز على تعزيز مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي
يمن خلال إعطاء المهام للطلاب بطريقة توفر حلولاً وتصورات متنوعة.
9- الاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق نتائج تعليمية أفضل
يزيد دمج التعليم مع التكنولوجيا من فرص الطلاب في الانغماس في طرق التدريس المختلفة ويساعدهم على العمل بكفاءة أكبر.
ختامًا..
يمكننا القول بأن التعلم التعاوني يكتسب أهمية متزايدة في العديد من المؤسسات التعليمية في الآونة الأخيرة، كونه يساعد في التركيز على جوانب التعلم المختلفة للطلاب، فهو يساعدهم على تحسين العمل الجماعي والمهارات المعرفية ومهارات التحدث أمام الجمهور والتفكير النقدي، ومن خلاله يكون الطلاب مسؤولين عن الأفكار والمفاهيم التي يقومون ببنائها بالإضافة إلى مسئوليتهم عن نتائج عملية التعلم.